مايابلانيت

المنزل / الاعترافات /

قصة أمين وسارة..الهيروين وبراءة طفل

قصة أمين وسارة..الهيروين وبراءة طفل

خضر آل خطاب   :مؤلف

الأردن   :بلد

31.05.2012   :تاريخ إضافة

 

قصة أمين وسارة..الهيروين وبراءة طفل..

أمين... طالب في المرحلة الإعدادية ، كغيره من الطلاب يعيش حياة هادئة مع والديه وشقيقه وثلاث شقيقات... ولكون أمين الابن الأصغر سناً؛ فقد كان يشعر بالمزيد من الدلال الذي جعله يحصل على كل ما يريد دون عناء.. وما أن بلغ الخامسة عشرة من عمره ؛ حتى بدأ يفكر في مستقبله هو وزملاءه - وبالطبع المستقبل السريع الغني المرفّه دون تعب أو عناء - بدأوا يفكرون.. كيف يمكن لهم أن يصبحوا أغنياء.. أن يركبوا أفخم السيارات.. أن يسكنوا أفخم البيوت وفي أرقى الأحياء... أن يسافروا كل عام مرتين أو ثلاث مرات إلى دول الغرب لقضاء فترات النزهة والاستجمام.. جالت كل هذه الأفكار بخاطر أمين.. دون أن يجول بخاطره كيف ينهي تعليمه بتفوق.. وما هو التخصص الذي سيدرسه في الجامعة.. وكيف يمكن أن يرضي ربه وان يرضي والديه.. وكيف له أن يكون عبداً شكوراً وابناً باراً.. نسي أن هذه هي الحياة الحقيقية ، لأن الدنيا ما هي إلا ممر للدار الآخرة التي سنحيا بها الحياة الأبدية.. المهم أن أمين بدأ يتغير سلوكه تدريجياً.. وبدأ ينجرف نحو مجموعة من ذوي الأفكار المشتركة (الباحثين عن الحياة الراغدة دون عناء) ولكونه الأصغر في أسرته فلم يكن يجد التوجيه المناسب من الأهل ، والسبب الرئيس في ذلك كان الدلال المفرط من قبل والديه والحب الذي يمكن أن نقول عنه فعلا ( أنّه الحب الذي قتل ).. 
وزاد انجراف أمين مع تلك المجموعة من الشباب حتى ضغطوا عليه يوماً كي يشاركهم في سيجارة واحدة خلف أسوار المدرسة.. امتنع أمين عنهم في بادئ الأمر.. ولكن: الأفكار.. الآراء.. الأهواء.. غياب الرقابة.. حقيقة وجوده ضمن شلة.. كل ذلك جعله يخشى أن يفقد الكثير إن هو ابتعد عن تلك المجموعة لذا.. وقبل أن يبلغ السادسة عشرة من عمره.. كان أمين يهرب للمرة الأولى من الحصّة.. ليدخن سيجارة مع تلك الشلة خلف أسوار المدرسة.. 
وانساب مركب أمين في محيط الانحراف.. وأخذت الأمواج تلاطم ذلك المركب وترمي به على ضفاف جزر مليئة بالأشواك والمصائد.. ومن الوجهة الأخرى كانت عائلة أمين تنام في سبات عميق ظناً منهم بأن أمين سيكون كغيره من أفراد الأسرة.. ولم يدركوا أن فوارق السن وفوارق الدلال كلها تصب في الجانب السلبي لنشاط أمين..
ونعود إلى أمين الذي أصبح الآن في الثانوية العامة وبات عمره حوالي ثماني عشرة عاما وقد أصبح مدخناً شرها وبات من زعماء الشلل في مدرسته ، وفي الحي الذي يقطن به.. إلا أن ذلك لا يكفي ؛ حيث أن أمين ورفاقه يبحثون دوماً عن المزيد من الرجولة ( طبعاً الرجولة الكاذبة الزائفة.. ) ، ويبحثون دوماً عن التحديات... فهم يعتبروا أن كسر الحواجز مع القانون وضرب العادات والتقاليد عرض الحائط.. يعتبرونها تحديات لمقياس الرجولة والقدرة على اتخاذ القرار.. كل تلك الأفكار وغيرها كانت تدور في ذهن أمين ورفاقه.. وذلك قادهم إلى تطوير مسألة التدخين لتصل إلى عالم الحشيش.. ذلك العالم الذي لا يخرج منه احد إلا وقد دنس سمعته وأخلاقه.. إلا وقد أساء لدينه ولعائلته.. إلا وقد اغضب ربه ووالديه.. إلا.. إلا.. إلا.. ودخل أمين ذلك العالم.. ورسب في الثانوية العامّة.. وبدأ أمر انحرافه ينكشف لأهله.. وتسارعت الأحداث معه، وأصبح منبوذا في الحي، وفجأة جاءت لحظة لم يكن أمين يحسب لها حساب، تلك اللحظة عندما تفاجأ أمين بثلاثة أشخاصٍ يمسكونه وهو يسير في أحد الشوارع.. أحدهم يضع يده في جيوبه ويخرج منها سجائر الحشيش.. وآخر يكبل يديه بالأصفاد.. وثالث يفتح له باب السيارة ويقول (( شرّف يا أستاذ أمين.. ))، رجال مكافحة المخدرات... نيابة عامة... قضاء.. حبس لمدة عام.. فتح باب الانحراف على مصراعيه.. عشرات من أصدقاء السجن.. فضلاً عن النبذ العام الذي بات عنواناً لحياة أمين.. نبذ في الأسرة.. نبذ في الحي.. نبذ في كل مكان..
خرج أمين من السجن وعمره يقارب العشرين عاماً وعاد إلى التعاطي من جديد.. وزادت عجلة التطور لديه.. حيث انتقل من تعاطي الحشيش إلى تعاطي الهيروين.. وزادت حياته سوء؛ فهو بحاجة أكثر إلى المال لشراء المخدر.. فزادت تصرفاته وحشية مع والدته وشقيقتيه - حيث أن الأخت الكبرى كانت قد تزوجت كما هو حال شقيقه الأكبر- أما الوالدة المسكينة وشقيقاته ( إحداهن كانت موظفة حديثة والأخرى لا تزال في الجامعة ) فقد كانوا الأكثر معاناة مع هذا الأمين!... سواء جراء فقدانه لعقله أو جراء سعيه للحصول على المال بأيّة وسيلة.. بات أمين شبحاً يسكن نفس والدته وشقيقتيه.. حتى صرن يتمنين له الموت كل لحظة ليرتاحوا من الضرب والشتم والصراخ والتكسير اليومي صباحاً ومساءً..
وذات يوم بدأ الأب يخطو خطوة واحدة صحيحة في طريق حماية أسرته ، عندما فكر في علاج ولده أمين، فجلس مع ولده في ساعة هادئة واستعرض معه ذكرياته السيئة للسنوات الأخيرة من عمره، وعرض عليه العلاج في إحدى المصحات الخاصّة بعلاج الإدمان ، وأوضح له أن خطوة العلاج هذه ستعيده للحياة من جديد وستتبعها خطوات خيّرة كثيرة مثل العمل والزواج وإنشاء أسرة جديدة.. الخ... وافق أمين وعاد يحلم من جديد بالاستقرار والأمان.. وذهب إلى مركز العلاج.. عاش ستة أشهر بين العلاج الجسدي والعلاج النفسي.. ليعود من جديد إلى بيته وأهله.. 
حفلة صغيرة ضمت الأشقاء والانسباء فرحاً بعودة أمين إلى أسرته من جديد.. ولكن؛ كانت كلمات الأطباء للوالدين حول احتمالية العود والانتكاسة ( أي عودة أمين للتعاطي من جديد ) كانت مخيفة مرعبة... فما الحل؟... طبعاً لا بد أن يبدأ الحل بالإشراف الأسري والمتابعة المستمرة وتغيير موقع السكن لضمان الابتعاد عن الرفاق القدامى وعن الذكريات الماضية الأليمة... إلا أن الأهل لم يقوموا بذلك بل جاء الحل على لسان احد أعمامه... زوجوه...زوجوه...زوجوه...كلمات نطقها العم الأكبر دون تفكير... الأب وافق ... نعم نزوجه فيشعر بالمسؤولية ويلتزم بالبيت ... ( نعم نزوجه ) قالت الأخت الكبرى التي أرادت أن ترتاح من تلك الليالي التي عاشتها في خلاف مع زوجها عندما كان أمين يحضر إلى بيتها مطروداً من بيته أو طلباً للمال.. ( نعم نزوجه ) قالها الأخ الأكبر الذي كان يعاني نفس المعاناة من حضور أمين للبيت عنده بين فترة وأخرى.. ( نعم نزوجه ) قالتها الشقيقتان اللتان خافتا من العودة لتلك الحياة المرعبة... خاصة وان إحداهن باتت مخطوبة.. ( نعم نزوجه ) قالتها الأم المسكينة التي غابت الفرحة عن بيتها منذ سنين وكانت تنتظر أن تطلق زغرودة تسمع أهل الحي.. وفعلا.. أطلقت أم أمين الزغاريد في ليلة زفاف ولدها.. ولم تكن تدرك أنها تطلق العنان لولدها.. بيت جديد مستقل.. لا رقيب ولا حسيب.. زوجة صغيرة لا تدرك أمرا.. فقد اختار أهله تزويجه من دولة أخرى مجاورة لضمان الموافقة! 
عندما وافق الجميع على الزواج لم يكن أي منهم يفكر بالأمر إلا من خلال ما يحقق الراحة له شخصياً فتلاقت مصالحهم جميعا في إتمام ذلك الزفاف.. وإن أي منهم لم يفكر بأمين نفسه.. نعم هو أنهى فترة العلاج لكنه لا يزال بحاجة إلى عام أو عامين على اقل تقدير من الرقابة والعناية.. والبعد عن رفاق السوء رفاق الماضي الأليم.. عام من النضوج والتفكير.. عام من العودة إلى الله عز وجل والالتزام وأداء الفرائض التي تعينه على مواصلة السير في الطريق الصحيح.. كل تلك الخطوات كانت ضروريّةٍ وأساسيّةً لإتمام العلاج قبل الإقدام على خطوة الزواج.
وأصبح أمين زوجاً وصاحب منزل.. وبات يعيش مستقلاً مسئولا عن نفسه وعن زوجة بسيطة مسكينة في التاسعة عشر من عمرها تقدس الزوج والحياة الزوجية.. وجاء أصدقاء أمين للسلام عليه ومباركة زواجه.. وكانوا يحملون هدايا مختلفة!! ومن ضمن الهدايا سجائر الحشيش وجرعات من الهيروين.. تصوروا بالله عليكم أيها القراء بعد ليلتين فقط من الزفاف.. يعود أمين للتعاطي من جديد!! وزوجته ساره المسكينة لا تعلم ما يفعله زوجها.. واستمر الحال على ما هو عليه حتى انقضى سبعة أشهر على زواجهم وكانت الزوجة تحمل في أحشائها جنينا في الشهر الخامس.. عندها اكتشفت أن زوجها يتعاط المخدرات... وبدأت محاولاتها في إقناعه للابتعاد عن التعاطي وعن رفاق المخدرات ولكن دون جدوى..وذات ليلة عاد أمين إلى بيته ومعه مجموعة من رفاق السوء وبدأوا يتعاطون المخدرات داخل البيت.. عندها خافت سارة على نفسها وهربت خارج المنزل وباتت ليلتها في أحد الفنادق واتصلت بأهلها.. سارع والدها في الحضور إلى تلك الدولة واخذ ابنته ساره سراً دون أن يعلم احد.. واتصل مع والد زوجها بعد أن وصل هو وابنته إلى بلدهما.. وابلغه بأن ابنه يتعاطى المخدرات وطلب الطلاق.. غضب أمين لما قامت به زوجته دون علمه، فطلقها غضباً منها!! بكل تجرد من الأحاسيس والتفكير، أمين يعتبر زوجته مخطئة.. 
وبعد أشهر أنجبت زوجته مولودا ذكرا.. وبدأ أمين يحن لزوجته من جديد واشتاق لرؤية ولده الذي لا يعرفه؛ وانقضى عام كامل من الوساطة بين الأهل لرأب الصدع في أسرة أمين.. وتوافق الزوجة شريطة أن يتم العلاج مرة أخرى.. وتعالج أمين.. وتعود له زوجته وولده الذي أكمل عام ونصف دون أن يرى أباه... وابتعد أمين عن رفاق السوء لأكثر من شهرين حتى اتصل به احدهم يوماً وظل يرجو منه الحضور لقضاء ليلة حمراء ( لا بل سوداء ) من تلك الليالي التي طالما عاشوها سويةً.. ويضعف أمين ويذهب.. يذهب.. يذهب.. وعاد أمين في منتصف الليل بعد قضاء ساعات من المرح.. والغريب أن أمين لم يتعاط في تلك الليلة أيّة مادة مخدرة ولكنه احضر معه جرعة لم يتمكن من أن يرفضها بعد أن قدمها له صديقه.. صديقه!!! الذي دعاه إلى تلك السهرة.. ويضع أمين الجرعة الملفوفة داخل قصديره تحت وسادته وقد نوى أن يخفيها عندما يستيقظ في الصباح.. وفي الصباح ذهب أمين إلى عمله ونسي الهيروين داخل القصديرة تحت الوسادة.. وبدأت الزوجة بتنظيف المنزل وغسل الملابس.. وبعد ساعتين تقريباً جاءت لتتفقد وليدها الذي لم يستيقظ.. ولم تكن تدرك انه لن يستيقظ أبدا وجدته بلا حراك.. لونه مختلف وبجانبه قصديره مفتوحة بها مادة بيضاء عالق جزء منها على يده وجزء آخر على شفتيه.. نعم مات الطفل بالجرعة الزائدة... اتصلت بأمين.. حضر مسرعاً كالمخمور اخذ ولده إلى المستشفى..(( إنا لله وإنا إليه راجعون )) سمعها أمين من الطبيب.. ولكن الطبيب يتابع ( مات بالجرعة الزائدة فمن يتعاطى المخدرات ؟!!)
هرب أمين من المستشفى.. وغادرت الأم المسكينة وهي تتساءل: من قتل رضيعي؟... جرت مراسم الدفن وعادت الأم إلى بلدها وكانت لا تزال تتساءل: من قتل رضيعي؟؟.. ولا يزال أمين هارباً مختفياً... 
وبعد شهر تلقى والد أمين اتصالاً هاتفياً من مركز الشرطة: نعم أنا والد أمين.. رد الأب بخوف وقلق. ماذا.. ولدي مات؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.. (نعم وجدته دورية شرطة ملقاً على الأرض في احد الشوارع وكان متوفياً بجرعة زائدة ..) هل علمتم أين هرب أمين؟! نعم هرب إلى وكر التعاطي.. غاب شهراً كاملاً حتى مات هو الآخر بجرعة هيروين.. مات أمين ذلك الابن المدلل الذي عقّ والديه.. ذلك الأخ الذي جعل شقيقاته يعشن في رعب وفزع.. ذلك الزوج الذي طلق زوجته المسكينة لأنها أرادت أن تحافظ على نفسها.. ذلك الأب الذي قتل ولده بجرعة هيروين.. مات أمين.. أتدرون متى مات أمين؟؟.. مات عندما هرب من الحصة ليدخن سيجارة خلف أسوار المدرسة!!.
فهل سيهرب أمين من الله!!!

Начало формы


 

  • ارسل إلى فيس بوك
  • ارسل إلى تويتر
  • ارسل إلى لايف إنترنت
  • ارسل إلى لايف جورنال

تعليقات

لا توجد تعليقات

عواقب الإدمان كيف الإقلاع عن تعاطي المخدرات قصص رعب من حياة مدمنين